رئيس الحكومة مستاء جدّاً من “الجنرالين”: قصّروا معي!

اشتعلت كلّ الجبهات دفعة واحدة. السلاح، قانون الانتخابات، المواجهات بين “الحزب” ورئيس الحكومة، والكباش الصامت بين الأخير وقادة الأجهزة الأمنيّة، وهو الأوّل من نوعه، على خلفيّة إصرار “الحزب” على إضاءة صخرة الروشة بصورتَي الأمينَينْ العامّين لـ”الحزب” السابقين السيّدين حسن نصرالله وهاشم صفيّ الدين، بعد كسره قرار محافظ بيروت، والتعميم الرقم 36 الصادر عن الرئيس نوّاف سلام “بالتشدّد في منع استعمال الأماكن البرّيّة والبحريّة والمعالم الأثريّة والسياحيّة وتلك التي تحمل رمزيّة وطنيّة،  قبل الحصول على التراخيص والأذونات اللازمة من الجهات المعنيّة”.

 

لم تكن قد انتهت ملابسات تنصّل الحكومة، بقرار من رئيسها بشكل أساسيّ، من دورها في وضع  قانون الانتخاب الحاليّ على سكّة التطبيق حتّى انفجرت بين الرئيس سلام والثنائي الشيعي، بعد “اطمئنانه إلى أنّ الرئيس نبيه برّي “وَعَدَه” بالتزام “الحزب” حدود التحرّك أمام صخرة الروشة مساء الخميس، ولم يستطع الوفاء بوعده، و”الحزب” تحدّاه مباشرة و”كَسَرَ” كلمته”.

سلام: تصرُّف مستفزّ وغير مقبول

لا يمكن فصل الكباش السياسي في الانتخابات وفي مصير السلاح عن المشهد الذي تابعه اللبنانيون أمام صخرة الروشة يوم الخميس. تولّد التراكماتُ الانفجار، وهذا تماماً ما حصل، وإن انتهت فعّالية إضاءة صخرة الروشة بصورتَي نصرالله وصفيّ الدين من دون ضربة كفّ.

تشير معلومات “أساس” إلى أنّ رئيس الحكومة، بعد إصداره التعميم الذي ثبّت بين سطوره قرار منع إضاءة الصخرة، اتّصل بالرئيس برّي وعرض أمامه خطورة وحساسيّة ما سيقوم به “الحزب”، واصفاً التحرّك بـ “المُستفزّ وغير المقبول”، وموضحاً خلفيّة التعميم الذي أصدره. فكان جواب برّي، وفق مصدر وزاريّ، بالغ الإيجابيّة، ووعده خيراً لناحية التزام المنظّمين حدود التحرّك و”اتركها عليّي”. لاحقاً، وبعد جولة من الاتّصالات وافق سلام على “تسوية” قضت بعدم إلغاء الفعّالية، وحصرها بتحرّكات محدّدة، خطّها الأحمر “لا إضاءة للصخرة، ولا قطع للطرقات، والحشد لن يتعدّى 500 شخص”.

لكنّ ما حصل لاحقاً أخرج حرفيّاً رئيس الحكومة عن طوره، فحمّل المسؤوليّة في الليلة نفسها لبرّي و”الخارجين عن القانون” الذين “كسروا كلمة الدولة”، والأهمّ أنّه حمّل قادة الأجهزة الأمنيّة، وتحديداً الجيش وقوى الأمن الداخلي، مسؤوليّة التقصير و”الفشل” في تنفيذ المهمّة، وصولاً إلى حدّ اتّهامهما بالتواطؤ إضافة إلى لوم وزيريّ الدفاع والداخلية.

برز هذا الأمر من خلال بيان سلام، الذي تلا انتهاء فعّالية الروشة، وأشار إلى طلبه من وزراء الداخلية والدفاع والعدل توقيف الفاعلين وإحالتهم على التحقيق لينالوا جزاءهم”، لافتاً إلى أنّ ما حصل يُشكّل “انقلاباً على الالتزامات الصريحة للجهة المنظّمة وداعميها”.

لا استقالة

لم يُقفِل الرئيس سلام تماماً خطّه، لكنّه ألغى المواعيد المقرّرة ليوم الجمعة، مكتفياً باستقبال شخصيّات محدّدة متضامنة معه في منزله، من ضمنها الوزير طارق متري الذي أكّد أن “لا استقالة ولا اعتكاف،  بل اجتماعات لتعزيز العمل الحكومي”.

لم يحضر سلام في الوقت المعتاد لوصوله صباحاً إلى السراي، فيما بقي العمل الإداري “شغّالاً”، ولم يحصل أمس تواصل مباشر بينه وبين “الجنرالين” هيكل وعبدالله.

لاحقاً دعا سلام إلى لقاء وزاري تشاوري عند الساعة الرابعة في السراي، سبقه اجتماع مع وزراء الدفاع والداخلية والعدل. إثر اللقاء قال متري: “أكدنا أهمية تطبيق القوانين على جميع المواطنين من دون استثناء، وهو ما يُرتَب على الأجهزة الأمنية مسؤولية كبيرة في تحقيق ذلك، فاللبنانيون سواسية أمام القانون، والدولة لا تميّز بين مواطن وآخر، ولا بين مجموعة مواطنين وأخرى”، معتبراً أن “ما جرى من مخالفة صريحة لمضمون الترخيص المُعطى للتجمَع في منطقة الروشة يدعونا إلى اتّخاذ الإجراءات القانونية اللازمة للحفاظ على هيبة الدولة وإحترام قراراتها”.

الحجّار يلاحق المتورّطين

مدّعي عامّ التمييز جمال الحجّار أوعز إلى الأجهزة الأمنيّة ملاحقة وتوقيف المشاركين في إضاءة الصخرة، ومصادرة أجهزة عروض الليزر، وذلك بعد تواصل بينه وبين رئيس الحكومة ووزير العدل عادل نصّار، وهو ما شكّل إصراراً منه على تحديد المسؤوليّات والبناء على أساسها.

ونقل متّصلون برئيس الحكومة استياءه الشديد من قائد الجيش العماد رودولف هيكل والمدير العامّ لقوى الأمن الداخلي اللواء رائد عبدالله، اللذين اتّهمهما “بالتقصير ومخالفة التعليمات”، وحمّلهما المسؤوليّة عن “التراخي أو العجز الذي أدّى إلى عدم احترام قرار رئيس الحكومة”.

ردّ بالوكالة عن “نيويورك”

في  السياق نفسه، أتى ردّ وزير الدفاع ميشال منسّى على رئيس الحكومة أمس مؤكّداً أن “المهمّة الوطنيّة الأساسيّة التي يضطلع بها الجيش دائماً هي درء الفتنة، ومنع انزلاق الوضع إلى مهاوي التصادم، وردع المتطاولين على السلم الأهليّ وترسيخ دعائم الوحدة الوطنية”، مشيراً إلى أنّ “كرامة عسكريّي الجيش وضبّاطه الفخورين الجسورين الميامين تأبى نكران الجميل، وتأنف التحامل الظالم، وتأسف لإلقاء تبعات الشارع على حُماة الشرعيّة، والتلطّي وراء تبريرات صغيرة للتنصّل من المسؤوليّات الكبيرة”.

بتأكيد متابعين لأزمة “إضاءة الصخرة”، شكّل بيان وزير الدفاع ردّاً بالوكالة عن قيادة الجيش ورئاسة الجمهوريّة معاً، وكانت الآراء منسجمة بين هذه المرجعيّات على أنّ الوضع لا يحتمل أيّ دعسة ناقصة تُدخِل لبنان في المحظور، سيّما أنّ الأجهزة الأمنيّة كانت تعلم بالتحضيرات لإتمام برنامج فعّاليّة إحياء ذكرى الشهيدين، بما في ذلك الإصرار على إضاءة الصخرة، ولم يكن ممكناً بحكم الظروف المرافقة للحدث اتّخاذ أيّ إجراء بالمداهمة والتوقيف!

الأهمّ أنّ بيان وزير الدفاع أوحى في جملته الأخيرة عن التنصّل من المسؤوليّات الكبيرة بأنّ رئيس الحكومة أخطأ في إصداره بيان “التصدّي” بدايةً لإحياء هذه الفعّالية، نظراً لحساسيّة هذه المناسبة، ثمّ الدعوة إلى توقيف المشاركين في إضاءة الصخرة، فيما القانون لا يجيز ذلك.

الأجهزة الأمنيّة: تصرّفنا بحكمة

في المقابل، أكّدت مصادر أمنيّة لـ “أساس” أنّ “حجم التجمّع الشعبيّ، ورمزيّة المناسبة بالنسبة للجهة الداعية، كما رمزيّة المكان نفسه، ومجمل الصورة السياسية والحساسيّات الطائفية والمذهبية التي تعصف بالبلد، هي جملة عوامل دفعت القيادات الأمنيّة والعسكريّة إلى التصرّف بوعي وطنيّ في ظلّ ظروف بالغة الخطورة”، متسائلة: “هل في السلطة من هو مستعدّ لتحمّل مسؤوليّة وقوع نقطة دم، أو حصول مواجهات لا أحد قادر على توقّع نتائجها؟”.

من جهته، انضمّ رئيس حزب القوّات اللبنانية سمير جعجع إلى الفريق الذي انتقد قادة الأجهزة الأمنيّة “التي تصرّفت وكأن لا علاقة لها بالقوانين، ولا بتطبيقها، وكأنّها عابر سبيل لا ناقة لها ولا جمل بما يحدث”، مطالباً “باستدعاء المسؤولين عن الترخيص والتحقيق معهم، وإجراء الوزراء الأمنيّين المعنيّين التحقيقات الداخلية اللازمة لتحديد المسؤوليات وسدّ الثغرات”.

بالصورة- شارع بإسم نواف سلام

اقترح أحد القضاة في طرابلس إطلاق اسم “جادة الرئيس نواف سلام” على أحد الشوارع الرئيسية في المدينة، تكريمًا للمكانة الوطنية والدولية التي يمثلها سلام بعد

Read More »