كيف يُهدّد إغلاق الحكومة الأميركية سُبُلَ الحياة في لبنان؟

مع دخول الحكومة الأميركية في حالة الإغلاق التدريجي، بسبب تعثّر الاتفاق على مشروع قانون الإنفاق، بدأت تداعيات الخلاف السياسي في الولايات المُتحدة الأميركية بالظهور، في بلدٍ من أكثر دول العالم هشاشة على الصعيد الإقتصادي. ففي بلدٍ يعيش أصعب أزمة اقتصادية وإنسانية في تاريخه الحديث، يُمثل تعليق أو تأجيل المساعدات الخارجية الأميركية (الحيوية) له خطرا وتهديدا بعدم الإستقرار، وتدهورا إقتصاديا إضافيا.

تُعدّ العلاقة الاقتصادية الأميركية مع لبنان، وخاصةً فيما يتعلق بالمساعدات الخارجية والتسهيلات التجارية ، التي ينعم بها لبنان في الولايات المُتحدة الأميركية، عنصرا جوهريا في الإقتصاد اللبناني، وحتى حيويا في بعض الأحيان. لذا، فإن الإغلاق إذا طال أمده، سيُوقف جميع الخدمات الحكومية الأميركية غير الأساسية، ويُعطل هذه الخطوط الحيوية، والنتيجة كارثية محتملة على الصعيدين الإنساني والأمني.

المساعدات الخارجية

أبرز تداعيات الإغلاق التدريجي على لبنان، يتمثّل في تجميد أو تأخير برامج المساعدات الأميركية، التي لطالما شكّلت شريان حياة للبنان في بعض المجالات. ومن أبرز هذه التداعيات:

– أولاً : تعليق مشاريع الوكالة الأميركية للتنمية الدولية (USAID) ، التي كانت جهةً مانحةً رئيسيةً للتعليم، ودعم مشاريع المياه والفرص الاقتصادية ، كما ودعم الجمعيات غير الحكومية، حيث أتى تطبيق سياسة خفض الإنفاق الحكومي (DOGE) معطوفا على الإغلاق التدريجي الحكومة، ليؤدّي إلى تسريح الموظفين في البرامج غير الأساسية الممولة من الكونغرس، وتجميد المساعدات أو إبطائها.

– ثانياً : بدأت برامج الدعم الموجّهة للفئات الأكثر ضعفا، كالعائلات الفقيرة والنازحين السوريين، تفقد تمويلها مُلقيةً تداعياتها على هذه الفئات، مع زيادة الفقر فيها وتراجع الخدمات الحيوية المؤمّنة لها، مثل المياه والكهرباء ومعالجة مياه الصرف الصحي والتنمية الريفية.

– ثالثاً : الكثير من الجمعيات التي كانت تعتمد ماليا على تمويل أميركي، بدأت بإيقاف مشاريعها وتسريح موظفيها. وهو ما يعني آلاف الموظفين العاملين في مشاريع كانت ممولة من الـ USAID، سيخسرون أو خسروا وظائفهم، ومعهم عائلات ستخسر مداخيل كانت تعيش من خلالها.

– رابعاً :على الصعيد التربوي، تواجه العديد من المؤسسات التربوية اللبنانية (من جامعات ومؤسسات) مخاطر خفض أو وقف التمويل الأميركي، مما سيؤدّي إلى فقدان آلاف الطلاب إمكانية مواصلة دراستهم، في ظل الأعباء المالية المتزايدة.

التأثير على التجارة والعلاقات الثنائية

لا يطال تأثير الإغلاق الحكومي فقط المساعدات الخارجية الأميركية، بل يطال أيضا العلاقات التجارية بين الولايات المُتحدة الأميركية ولبنان. فالإستثمارات الأميركية في لبنان قد تتأثر، نتيجة غياب أو تقليص عدد الموظفين في السفارة الأميركية. هؤلاء يُقدّمون الإستشارات والخدمات للشركات الأميركية (مساعدة في إختيار الشركاء التجاريين، وفي العمليات الإدارية والقانونية)، وبالتالي فإن تخفيض عدد الموظفين، سيؤدّي إلى وقف فعلي للجهود المبذولة لتعزيز المناخ الإستثماري الجاذب، وإزالة العوائق أمام التجارة الثنائية، مما يعيق تدفقات العملات الأجنبية التي هي أكثر ما يحتاجه لبنان.

أضف إلى ذلك، يؤثر الإغلاق الحكومي الأميركي على مهام جوهرية، مثل مكافحة الإرهاب وتطبيق العقوبات، من باب عدم قدرة موظفي الدعم والإدارة في وزارتي الخزانة والخارجية على مواكبة الأمر. ونظرا لخضوع القطاع المالي اللبناني لتدقيق مكثف للتحقق من إمتثاله للشروط الأميركية، لا سيما تلك التي تستهدف الفساد والإرهاب، فإن أي تباطؤ في التنسيق بين لبنان والولايات المُتحدة الأميركية، قد يزيد من حالة عدم اليقين لدى المصارف والشركات اللبنانية، التي تسعى إلى الحفاظ على علاقاتها المصرفية الدولية مع المصارف المراسلة.

المساعدة الأمنية في خطر؟

يُعدّ الجيش اللبناني شريكا أمنيا ​​للولايات المتحدة، وركيزةً أساسيةً للإستقرار في لبنان، ورادعا أساسيا للإرهاب. وعلى الرغم من تأكيد السلطات الأميركية بأن المساعدات العسكرية للجيش اللبناني لن تتأثر، إلا أن الخلاف السياسي في واشنطن فيما يخصّ الإنفاق، قد يُبطئ صرف التمويل العسكري الأجنبي. ويُشكّل أي إنقطاع في المساعدات الأمنية الأميركية تهديدا للمؤسسة العسكرية، في بيئة يُكافح فيها الجيش اللبناني لمواجهة الإنهيار الاقتصادي الوطني، والحفاظ على رواتب الجنود وجاهزيتهم.

وبالتالي، فإن قطع أو إبطاء المساعدات العسكرية، سيؤدّي إلى إضعاف قدرة الجيش اللبناني على ضبط الحدود والحفاظ على الأمن الداخلي، وهو أمرٌ حيويٌّ لإستقرار – ليس لبنان فقط – بل المنطقة بأكملها!

اقتصاد مُنهك لا يتحمّل صدمات

على عكس الإقتصادات الأكثر صلابة، والقادرة على تحمّل الصدمات الخارجية المؤقتة، يعاني الإقتصاد اللبناني من إستنزاف لموارده، حيث يمرّ لبنان بواحدة من أسوأ الأزمات المالية في تاريخه الحديث، مع تخلف سيادي عن سداد الديون، وإنهيار القطاع المصرفي وإنهيار العملة، بالإضافة إلى فقر متعدد الأبعاد طال أكثر من 80% من السكان.

من هذا المُنطلق، لا تُعدّ المساعدات الأميركية مجرد بادرة ديبلوماسية تجاه لبنان، بل هي ضخّ مالي بالغ الأهمية يُحافظ على شبكة أمان (غير حكومية)، ويُعزّز المؤسسة العسكرية. وبالتالي، فإن التوقّف المفاجئ أو المُطوّل لهذا الدعم بسبب الإغلاق الحكومي، سيُترجم بشكل مباشر بالعوارض التالية:

-أولاً تزايد الإحتياجات الإنسانية: تفقد المنظمات غير الحكومية العاملة في الخطوط الأمامية تمويلها، مما يؤثر بشكل مباشر على الخدمات الأساسية.

– ثانياً تفاقم خطر عدم الاستقرار، حيث يواجه قطاع الأمن المُنهك أصلا، ضغوطا مُضاعفة نتيجة الأزمة التي تعصف بلبنان.

– ثالثاً فقدان الثقة: يُنذر هذا التوقف بمزيد من عدم اليقين السياسي العالمي، مما يُعرقل الإستثمار ، ويُسرّع من هجرة الأدمغة من لبنان عصب الاقتصاد على المدى المتوسّط والبعيد.

في المحصلة، يُمثل المشهد السياسي الأميركي المتمثّل بعدم التوافق على الإنفاق، تهديدا كبيرا للبنان، الذي لا يُمثل إقتصاده سوى جزء ضئيل من الناتج المحلي الإجمالي للولايات المُتحدة الأميركية. ويُمكن الجزم بأن الإغلاق الأميركي يُمثل تذكيرا خطيرا لمدى إعتماد لبنان على الإستقرار الخارجي لضمان ديمومته. وفي ظل هذه التداعيات الخطيرة على شركاء الولايات المتحدة في الخارج، لم يكن الحل العاجل لأزمة الموازنة الأميركية أكثر إلحاحا مما هو عليه اليوم.

كيف يُهدّد إغلاق الحكومة الأميركية سُبُلَ الحياة في لبنان؟ .

بالصورة- شارع بإسم نواف سلام

اقترح أحد القضاة في طرابلس إطلاق اسم “جادة الرئيس نواف سلام” على أحد الشوارع الرئيسية في المدينة، تكريمًا للمكانة الوطنية والدولية التي يمثلها سلام بعد

Read More »