لبنان يهتز: سلام اصطدم بالدولة العميقة وعون عائد ليرمم العهد

اهتزّت ولم تقع، لكن الواقعة قائمة ومستمرة. فجلستا السلاح لم تهزّا الحكومة كما فعلت “موقعة الروشة”. والاهتزاز هنا لم يصب الحكومة فقط بل كل أركان العهد، أو الصورة الجديدة التي أراد لبنان تكريسها عن نفسه. الطموح في مكان، والعيون تشخص إلى ما هو بعيد، لكن الواقع مختلف. على الطريقة اللبنانية حاول لبنان تجاوز قطوع جلستي 5 و7 آب بالصيغة التي اجترحت في 5 أيلول. وبالاجتماع الوزاري التشاوري الذي عقد في السراي الحكومي، ابتكرت صيغة لتفادي الوقوع في فخ التعطيل أو الاعتكاف أو ما قد ينتج عنهما. إلا أن ذلك لا يعني الخروج من الأزمة أو المأزق، وعليه تبدو البلاد وكأنها تدور في دوامة تعيدها إلى نقطة الانطلاق، كمثل، خروج حاكم مصرف لبنان السابق رياض سلامة من السجن بناء على حكم قضائي، ما سيعيد إحياء السجال الذي لم ولن ينتهي. ومواصلة المفاوضات مع صندوق النقد الدولي التي لم تكن هذه المرة بالإيجابية التي كانت عليها في السابق. ناهيك بالسجال المفتوح في ملف السلاح، والذي لا يبدو أن الطريق إلى معالجته سالكة. 

لكن المؤكد أن ما جرى في اليومين الماضيين هو انفجار أزمة سياسية هي الأولى بالمعنى الجدي في عهد الرئيس جوزاف عون. أزمة بإمكانها أن تؤدي إلى اهتزاز الثقة بين كل أركان العهد أو سلطاته، في ظل التباين في المقاربات لدى الرؤساء الثلاثة، أو حتى داخل المؤسسات. ويمكن اعتبار أن ما جرى هو الأزمة الأخطر التي يواجهها لبنان في سياسته الداخلية والعلاقة ما بين الرؤساء والمسؤولين، خصوصاً أن الحكومة تعتبر أنه قد تم تجاوزها بالإصرار على عدم التزام التعميم الذي أصدره رئيسها. وفتح ذلك السجال واسعاً حول الجهة التي تتحمل المسؤولية، وقد خرج الاجتماع الوزاري التشاوري في إشارة واضحة إلى تحميل المسؤولية للأجهزة الأمنية. 

بعيد حصول الموقعة، تشنّجت العلاقة إلى حدود بعيدة بين المسؤولين. فالجيش والقوى الأمنية لم تقدم على منع استكمال التحرك، أو منع قطع الطرق وإيقاف إضاءة الصخرة. السبب معروف وهو عدم الاصطدام بالناس وعدم أخذ البلد نحو التوتر. صورة عكست مشهدية البلاد على وقع انفجار السجال، بين وجوب إقدام الأجهزة الأمنية والعسكرية على الالتزام بتطبيق سياسة السلطة السياسية، وبين من يريد مراعاة الواقع ومنع انفجار البلد، وهو سجال تطور إلى صورة أريد منها “تصفية حسابات” من قبيل أن الدولة التي لم تتمكن من منع إضاءة صخرة الروشة، كيف سيكون بإمكانها العمل على سحب السلاح. 

كل ذلك حمل انعكاساً لعمق الأزمة وحقيقتها، لا سيما لحظة الوصول إلى حدّ المطالبة بمحاسبة المسؤولين أو المقصّرين أو المخالفين، وهو أمر جرى رفضه بالمطلق، وقد تُرجم ذلك بالبيان الذي أصدره وزير الدفاع ميشال منسى وفُهم أنه ردٌّ على موقف غير معلن لرئيس الحكومة لجهة ضرورة مساءلة المسؤولين الأمنيين والعسكريين. هذا ما نقل المشكلة إلى طاولة مجلس الوزراء، أو إلى داخل الحكومة، وجعل النقاش يتدرج من البحث في حصر السلاح بيد الدولة، إلى كيفية منع إضاءة صخرة الروشة، وصولاً إلى آلية التعاطي ما بعد مخالفة القرار، وكيفية لملمة الوضع السياسي والحكومي. 

الأكيد، أن رئيس الحكومة واجه مشكلة جدية في كيفية التعاطي مع الدولة العميقة. هذه المشكلة انفجرت بوضوح، بعدما كانت كامنة في ملفات مالية أو اقتصادية. أما ما بعد موقعة الروشة فإن المشكلة انفجرت على مستويات مختلفة أمنياً، عسكرياً، ومؤسساتياً، وحتى قضائياً ما بعد إقرار قانون استقلالية القضاء. إلا أن الأخطر يبقى في إطالة أمد هذا الاهتزاز خصوصاً في حال تعمّق بين الرؤساء، لأن التجاذب في حينها سيعمق اهتزاز الثقة، ولن يتمكن أهل الحكم من الحكم. ذلك ما يعرفه جيداً رئيساً الجمهورية والحكومة، لا سيما أن أي تباين بينهما سيندفع كثر إلى استغلاله وأخذه في السياقات التي يريدونها. 

ينتظر لبنان عودة رئيس الجمهورية من نيويورك، على أن تتجدد الاتصالات وتتكثف في سبيل رأب الصدع. وهو ما يفترض أن يبدأ من خلال عقد لقاء بينه وبين رئيس الحكومة لإعادة إيضاح مسار العمل، أو إعادة تقويم عمل العهد والحكومة. وهذا التقويم لا يبدو لبنانياً فقط، بل إن عين المجهر الدولي مفتوحة على لبنان، فواشنطن تنتظر مرور شهر على إقرار خطة الجيش لتسلم التقرير، ومراقبة المسار. كذلك فإن إسرائيل تتربص، ولا يتوانى مسؤولوها عن التصريح بأنه إذا لم تقم الدولة اللبنانية بنزع سلاح حزب الله فإن تل أبيب هي التي ستتولى ذلك، وهو ما لا ينفصل عن كل التقديرات التي تشير إلى التخوف من تصعيد الضربات الإسرائيلية. 

حالة الاهتزاز اللبناني، دخل عليها رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، في مسعى منه لزيادة عناصر خلخلة البنية اللبنانية، ومن على منبر الأمم المتحدة دعا نتنياهو لبنان إلى الدخول في مفاوضات مباشرة مع إسرائيل لأن السلام أصبح فرصة قائمة في حال نجح بسحب سلاح حزب الله. موقفٌ ستكون له تأثيراته وتداعياته على الداخل اللبناني، وهو ما لا ينفصل عن الغطرسة التي تمارسها تل أبيب في المنطقة كلها ومن ضمنها سوريا، التي أشار إلى مفاوضات معها، لكنها تعثرت بسبب رفض دمشق للشروط الإسرائيلية. علماً أن إسرائيل لا تريد السلام مبنياً على اتفاق سياسي، بل إنها تشتري سلامها مبنياً على اتفاقات أمنية تفرضها بحكم القوة العسكرية، وما يحصل في سوريا يمكن له أن ينسحب على لبنان. 

بالصورة- شارع بإسم نواف سلام

اقترح أحد القضاة في طرابلس إطلاق اسم “جادة الرئيس نواف سلام” على أحد الشوارع الرئيسية في المدينة، تكريمًا للمكانة الوطنية والدولية التي يمثلها سلام بعد

Read More »