لولا السابع من أكتوبر…

سيُكتَب الكثير عن تاريخ السابع من أكتوبر، وستُكشَف تباعًا أسرار عملية «طوفان الأقصى»، بدءًا من دور إيران في التخطيط والتنفيذ، مرورًا بخلفيات العملية وسقفها وتوقيتها والمتوقّع منها، والخلل الذي قد يكون اعتراها، وصولًا إلى الفشل الاستخباري الإسرائيلي وأسبابه ومن يتحمّل مسؤوليته.

غير أن ما سيُكتَب للتاريخ يتجاوز العملية العسكرية بحد ذاتها، لأن هذا الحدث غير المتوقّع غيّر وجه المنطقة بأكملها، وأخرجها من السيطرة الإيرانية وقواعد الاشتباك بين إسرائيل وأذرع إيران، إلى شرق أوسط خال للمرة الأولى منذ ما يقارب نصف قرن من الممانعة بشقيها الأسد والملالي. وهذا التغيير الكبير ما كان ليحصل لولا حرب يحيى السنوار، بل كانت إيران تُحصِّن مواقعها وتتمدّد في أنحاء المنطقة كلها.

وما هو مؤكّد أن «حماس» لم تكن تتوقّع ردّ الفعل الإسرائيلي بالذهاب إلى مواجهة حاسمة لا مكان فيها لقواعد اشتباك وأنصاف حلول، وأن إسرائيل ستواصل حربها حتى القضاء على الحركة واستئصالها، شأنها شأن “حزب الله” الذي لم يتوقّع بدوره ان تبدِّل تل أبيب استراتيجيتها المعتمدة منذ العام 1996، وأن تكسر الخطوط الحمر وتقلب الطاولة رأسًا على عقب وتصرّ على نهايته العسكرية.

وما ينطبق على السنوار والسيد حسن نصرالله ينسحب على بن لادن، الذي لم يكن يتوقّع هو أيضًا أن تكتب عملية 11 أيلول 2001 نهايته ونهاية تنظيمه، لأن أي عملية تخرج عن حدّها تعرِّض من قام بها للشطب والإلغاء. وإذا كانت إيران المستفيد الأول من بن لادن الذي أسقط لها الحاجز العراقي، فإنها المتضرِّر الأول من السنوار الذي أسقط أذرعها الواحدة تلو الأخرى، وسيعيدها إلى داخل حدودها ويعرِّض نظامها للسقوط.

وقد ظن البعض أن مصافحة ياسر عرفات وإسحاق رابين في أيلول 1993 ستطوي صفحة النزاع التاريخي بين الفلسطينيين والإسرائيليين، لكن تقاطع التطرف الإسرائيلي مع الممانعة أدى إلى إجهاض هذه المحاولة التي كان يُفترض أن تنقل المنطقة إلى واقع جديد، فتواصل الصراع واستعر وتطوّر، وتحولّت فيه إيران إلى اللاعب الأقوى في المنطقة.

ومع سقوط نظام الأسد، وهزيمة “حماس” و”حزب الله”، وتحوّل طهران إلى اللاعب الأضعف في الشرق الأوسط، وفي ظل الاندفاعة الأميركية لإنهاء الصراع التاريخي في هذه المنطقة، والاعترافات الدولية غير المسبوقة بالدولة الفلسطينية، بات من الصعب إعادة عقارب الساعة إلى الوراء. ولن يكون باستطاعة التطرُّف الإسرائيلي مواجهة الزخم الدولي، خصوصًا بعدما أسقط بنفسه الفريق الذي أعطاه الذريعة لعرقلة قيام دولة فلسطينية.

لقد كتب السنوار الفصل الختامي للممانعة في المنطقة، وللعمل المسلّح الذي لم يكن هدفه دولة فلسطينية بل حربًا للحرب. فبماذا استفادت «حماس» من حرب الطوفان؟ وماذا حقّقت؟ وهل وضعها أفضل اليوم مما كان عليه قبل السابع من أكتوبر؟ وهل وضع أهل غزة أفضل اليوم مما كان عليه عشية حرب الطوفان؟

أي مراجعة لعمل هذه التنظيمات تخلص إلى نتيجة واضحة وحاسمة، أن إنجازاتها لا ترتفع عن الصفر، وأنها تدمِّر مجتمعاتها وتبقى في حالة حروب لا تنتهي، ولا هدف لها أساسًا سوى الحرب. فهي تنتحر وتنحر من معها. والأكيد أن وضع أهل غزة كان أفضل بكثير مما هو عليه اليوم، وكانوا في غنى عن هذه الحرب التي قتلت منهم عشرات الآلاف، وهجرتهم وشرّدتهم ودمرت قراهم ومنازلهم. ويخطئ من يعتبر أن هذا النوع من التنظيمات يمكن أن يتعظ، والحل الوحيد معها هو إنهاء قدراتها العسكرية بالقوة.

وها هو “حزب الله”، وعلى رغم الخسائر الهائلة التي مُني بها، واستسلامه الخطي في 27 تشرين الثاني 2024، وعلى الرغم من الموت والدمار والتهجير، وعجزه عن حماية عناصره الذين يقتلون يوميًا، وعدم جرأته على رمي الحجارة على إسرائيل لا الصواريخ، ما زال يصرّ على المنطق نفسه، وكأن شيئًا لم يحصل، وبالتالي لا حلّ معه سوى بإنهاء مشروعه المسلّح بالقوة، الذي شكل الضرّر الأكبر على لبنان واللبنانيين.

فلولا “حماس” وأخواتها من تنظيمات وتشكيلات، ونظاما الأسد وإيران، لكان نجح أبو عمار في إرساء الدولة الفلسطينية. وإذا كان أي تنظيم فلسطيني يُمنح بعض الأسباب التخفيفية كونه يقاتل على أرضه، فلا أسباب تخفيفية إطلاقًا لـ”حزب الله” الذي شكل قوة احتلال إيرانية، وكل هدفه إلحاق لبنان بإيران بحجة المواجهة مع إسرائيل.

لقد تلقّت الممانعة ضربة قاتلة وقاضية، وهناك حرص دولي على إنهاء ذيولها في دول انتشارها، وصولًا إلى محاصرة إيران وإسقاط نظامها، كما إن هناك حرصًا على السهر على قبرها منعًا لعودتها. والأكيد أن المنطقة ستبدأ بالتشكُّل من جديد بعيدًا من الخط الذي أبقاها مشدودة إلى الماضي والحروب والفوضى.

ولولا السابع من أكتوبر، لما كانت هناك فرصة لقيام دولة فلسطينية ولبنانية وسورية، ومستقبلًا عراقية ويمنية وإيرانية. ولولا السابع من أكتوبر، لكان الشرق الأوسط ما زال قابعًا في الظلم والظلام وتمدُّد مشروع الموت الإيراني. ولولا السابع من أكتوبر، لكان لبنان ما زال خاضعًا لذراع إيران المسماة «حزب الله»، وفي ظل خطر وجودي حقيقي على الهوية والتعددية اللبنانية. لقد أنقذ السابع من أكتوبر لبنان واللبنانيين من السرطان الإيراني، وأخرجهم من غرفة العناية إلى الحياة من جديد.

لولا السابع من أكتوبر… .

بالصورة- شارع بإسم نواف سلام

اقترح أحد القضاة في طرابلس إطلاق اسم “جادة الرئيس نواف سلام” على أحد الشوارع الرئيسية في المدينة، تكريمًا للمكانة الوطنية والدولية التي يمثلها سلام بعد

Read More »