مأزق الدولة التي لا تستطيع!

بين السطور، هناك رسالة خطرة وجّهها رئيس الحكومة نواف سلام، في لحظة «صدمته» في الروشة: لقد خدعتمونا. سقطتم في امتحان الصدقية. أنتم لا تلتزمون الوعود، بل تستغلون التساهل لتمارسوا التحدّي والاستقواء. لذلك، لن نصدّقكم، وتحديداً في ملف السلاح!

كان سلام مطمئناً إلى أنّ احتفال «الحزب» سيمرّ بلا أضواء، وبوقفة تعبيرية خالية من التحدّي. هكذا كان يقضي الاتفاق الذي تمّ التوصل إليه، بمشاركة رئيس مجلس النواب نبيه بري ووسطاء آخرين. وقد سمع كثيرون أنّ تنصّل «الحزب» من هذا الاتفاق لم يكن بقرار من الأمين العام نعيم قاسم، بل من كوادر حزبية ما زالت تعتقد أنّ نهج التشدّد هو الأفضل، ليعرف «الآخرون» أنّهم لن يهزموا «الحزب» ولو أضعفته الحرب مع إسرائيل، واضطر إلى توقيع نزع سلاحه. ولكن، سواء كانت القيادة هي صاحبة القرار الحقيقي في احتفال الروشة أو كوادر حزبية، ففي الحالين، أصحاب القوة «كسروا» قرار الدولة التي ظهرت عاجزة عن فرض احتكارها الشرعي للقوة، فيما «الحزب» فرض «شراكة القوة». ويوماً بعد يوم، يتبين أنّ عجز الدولة هذا هو انعكاس لميزان القوى في الداخل، ولتركيبة النظام اللبناني. وما حصل في الروشة هو نموذج رمزي مصغّر لما يحدث على مستوى القرارات الكبرى.

عملياً، يبدو تنفيذ قرارات نزع السلاح (سواء تلك التي اتخذتها الحكومة في 5 و7 آب أو قراري مجلس الأمن 1559 و1701) أمراً شبه مستحيل في الظروف الحالية. والنتيجة المتوقعة هي ​تمييع القرارات (كما حصل في جلسة مجلس الوزراء في 5 أيلول)، وإصدار تقارير المتابعة (التقرير المنتظر عن الجيش في 5 تشرين الأول المقبل)، بهدف ​امتصاص الضغط الإقليمي والدولي على لبنان، وإبعاد «شبهة» التواطؤ أو التراخي في تنفيذ قرارات «حصر السلاح». وأما «الحزب» فسيعمل بالتأكيد على ​إعادة التفاوض وإيجاد «صيغة توفيقية» تقتنع بها القوى الخارجية الضاغطة، من دون أن تمس بسلاح المقاومة. و​هذا الواقع سيقود لبنان إلى «ستاتيكو» يشكّل خطراً كبيراً عليه كدولة وككيان. فخوف الدولة من المضي فعلاً في تطبيق قرار حصر السلاح ستكون له عواقب وخيمة، للأسباب الآتية:

تصرّ إسرائيل على تطبيق اتفاق وقف النار والقرارات الدولية في جنوب الليطاني، بدعم الأميركيين الذين بدأوا يتحرّكون ميدانياً هناك، في الأسابيع الأخيرة، بمواكبة الجيش اللبناني، لضمان التنفيذ. وهذا الضغط المستجد سيقود فعلاً إلى إبعاد أي حضور لـ«الحزب» عن المنطقة، وتتولّى إسرائيل بنفسها تسديد الضربات هناك لبلوغ الأهداف. وثمة من يعتقد أنّها ستركّز لاحقاً على المنطقة الفاصلة بين الليطاني والأولي، أي إلى ما بعد صيدا، لتضمن أيضاً عدم وجود منصات صاروخية لـ«الحزب» هناك. وأما المناطق الواقعة شمال الأولي فقد «تنساها» إسرائيل بعد تدمير مخازن الصواريخ ومنصاتها تباعاً، وترتاح إلى أنّها نجحت في رسم منطقة واسعة عازلة، تمتد على كامل الجنوب وجزء من البقاع. وأما أمر السلاح الباقي في مخازن شمال الليطاني أو الأولي فتتركه للبنانيين يعالجونه في ما بينهم. ففي أي حال، هو لم يعد يشكّل أي خطر على إسرائيل لا من قريب ولا من بعيد، خصوصاً أنّ خط التموين عبر سوريا انقطع في شكل دائم ونهائي.

المثير هو أنّ هذا السيناريو قد يناسب «حزب الله». فهو في الواقع لا يحتاج إلى استخدام سلاحه يومياً لكي يحافظ على نفوذه في الداخل. ومجرد وجوده في المخازن يكفي، وستتحكّم باستخدامه «قواعد اشتباك» غير مكتوبة بينه وبين الحكومة اللبنانية والولايات المتحدة وإسرائيل.

لكن المشكلة الداخلية في لبنان ستبدو مضاعفة. فقرار نزع سلاح «حزب الله» وتحوله حزباً سياسياً على غرار أحزاب الطوائف الأخرى، هو مطلب لبناني قبل أن يكون إسرائيلياً. وإذا قرّرت إسرائيل «الاكتفاء» بنزع السلاح جنوباً، وترك المتبقي على اللبنانيين لكي يعالجوه بأنفسهم، فإنّ كرة النار ستصبح لبنانية – لبنانية بكاملها. وإذا ترسخ هذا الستاتيكو، فإنّ طابعاً معيناً سيُفرض على الدولة والكيان في لبنان. وإذا قرّر اللبنانيون تغييره، فالأرجح أنّهم سيدخلون في مناخ صدامي شرس. فهل يمكن تغيير «قواعد الاشتباك» الداخلية من دون التسبّب في تفكّك النظام اللبناني؟

بالصورة- شارع بإسم نواف سلام

اقترح أحد القضاة في طرابلس إطلاق اسم “جادة الرئيس نواف سلام” على أحد الشوارع الرئيسية في المدينة، تكريمًا للمكانة الوطنية والدولية التي يمثلها سلام بعد

Read More »