تسوية اللّحظة الأخيرة: المغتربون يصوّتون في لبنان!

قصّرت حكومة نجيب ميقاتي، وأمعنت حكومة نوّاف سلام في التقصير حين جرى تجاهل وجود تقرير تقنيّ يَضمَن تطبيق قانون الانتخاب الحاليّ، بشقّه المُرتبط باقتراع المغتربين في الخارج لنوّابهم الموزّعين على ستّ قارّات.

 

بعد تقاذف الكرة بين الحكومة ومجلس النوّاب، وتعطيل “قوى الموالاة” لجلسات التشريع بهدف الضغط باتّجاه اقتراع غير المقيمين للنوّاب الـ128، وفرملة اللجنة النيابيّة الفرعيّة اجتماعاتها، تعكف وزارتا الخارجيّة والداخليّة، بتأكيد مصادر في الخارجيّة، على تشكيل لجنة للنظر في مدى إمكان السير بقانون “الستّة مقاعد”. هذا مع العلم أنّ الفريق السياسي لوزير الخارجية، أي “القوّات”، من أشدّ المعارضين لمقاعد الاغتراب.

في حال بدأت اللجنة عملها هذا الأسبوع، لن يكون بإمكانها تجاوز هذا التقرير، وستكون أمامها مهلة ضاغطة حتّى 20 تشرين الثاني موعد انتهاء تسجيل المغتربين. بعدها، وفي حال لم يُحسَم الخلاف على وجهة القانون، سيكون طاقم السلطة الحاليّ أمام معضلة حقيقيّة أصعب من مشهد عام 2021 قد تُطيّر الانتخابات أو تقرّ تسوية السير باقتراع المغتربين من لبنان، وليس من الخارج، لأعضاء البرلمان.

مشهد متكرّر؟

في 19 تشرين الأوّل 2021 صدّق مجلس النوّاب ما أوصت به اللجان المشتركة لجهة تحديد تاريخ الانتخابات في 27 آذار 2022، وتبعاً لذلك تمّ تقصير المُهل في القانون، وتعليق العمل بالبطاقة الانتخابيّة، وانتخاب ستّة نوّاب في الخارج.

ردّ رئيس الجمهوريّة آنذاك ميشال عون القانون إلى المجلس لإعادة النظر فيه، مفنّداً الأسباب الموجبة للردّ، ومن أهمّها تدخّل السلطة التشريعيّة بعمل السلطة التنفيذيّة لجهة تحديد موعد الانتخابات. وفي 28  تشرين الأوّل صدّق مجلس النوّاب على قانون الانتخاب بالصيغة ذاتها، مع حذف المادّة التي تُلزم الحكومة بإجراء الانتخاب في 27 آذار. بعد مرور خمسة أيّام، وحيث إنّ القانون لم يصدر عن رئيس الجمهوريّة، صدر في الجريدة الرسميّة تحت مسمّى “نافذ حكماً” بتاريخ 4 تشرين الثاني.

بالتالي كان المغتربون آنذاك على بيّنة قبل شهر من إقفال مهلة التسجيل بأنّهم سيقترعون للـ128، فهل يتكرّر المشهد اليوم أم يقفل باب التسجيل والقانون في علم الغيب؟

الأهمّ أنّ كلّ التعديلات، التي طالت القانون رقم 8 النافذ حكماً بتاريخ 3/11/2021، أبقت على مهامّ اللجنة المشتركة (المادّة 123 من القانون) تطبيق الفصل الـ11 من قانون الانتخاب (مقاعد الاغتراب).

تقرير الخبراء

قامت لجنة الخبراء فعليّاً بواجبها الكامل قبل 4 سنوات لجعل موادّ اقتراع المغتريين لنوّابهم في القارّات الستّ أمراً قابلاً للتطبيق. لكنّ القرار السياسي رسا على غير ذلك، إذ بقيت الحكومة السابقة كما الحالية تماطل حتّى انفجر الخلاف مجدّداً على اقتراع المغتربين، بما في ذلك إهمال اللجنة الوزاريّة الحاليّة، التي كُلّفت في 16 حزيران الماضي دراسة الاقتراحات والتعديلات على قانون الانتخاب، متنصّلةً بشكل كامل من دورها في وضع القانون حيّز التطبيق.

تألّفت اللجنة المشتركة عام 2021 من 11 عضواً، عن وزارتَي الخارجية والداخلية، بغية تطبيق أحكام الفصل المتعلّق باقتراع اللبنانيّين غير المقيمين على الأراضي اللبنانية، ورفعت تقريرها النهائيّ في 4 تشرين الثاني 2021 إلى وزير الداخليّة آنذاك بسّام المولوي الذي وضعه في الجارور ولم يوقّعه، وكذلك فعل وزير الخارجية والمغتريين عبدالله بوحبيب، فلم يصل إلى حكومة نجيب ميقاتي آنذاك لمناقشته.

كان العميد الياس خوري، الذي لم يرِد اسمه من ضمن الأعضاء الـ11 في اللجنة، بالتأكيد المشرِف الأوّل و”الدينامو” الأساس لستّة اجتماعات عقدتها اللجنة وخرجت بنهايتها بتقرير شامل يتناول كامل “نواقص” قانون 44/2017 في شأن اقتراع المغتربين والمقاعد الموزّعة على القارّات الستّ. وحرص خوري على “عدم تطرّق اللجنة إلى أيّ نصّ قانونيّ قد يتعارض مع أحكام نصوص قانون الانتخاب الواردة خارج الفصل 11″، وهذا ما ورد في التقرير نفسه.  

التّوزيع المذهبيّ للقارّات

فصّل تقرير اللجنة المشتركة، الذي لم يعرف بوجوده معظم الوزراء والنوّاب إلّا أخيراً، الإطار التطبيقيّ لاقتراع المغتربين في الخارج، ضمن سياق علميّ، واتُّخذت توصيات اللجنة بإجماع أعضائها، وتناولت المحاور الآتية:

تحديد القارّات الستّ (المادّة 112 من قانون الانتخاب) والدول التابعة لها استناداً إلى تقسيم المجموعات الإقليميّة للدول الأعضاء في الأمم المتّحدة، وأعداد الناخبين اللبنانيّين المقيمين في الخارج المسجّلين لعام 2018، حيث تبيّن أنّ أنسب توزيع للبلدان، وعددها 192، يكون وفق القارّات الستّ:

– أوروبا: 48 دولة (24,510 ناخبين).

– أميركا الشماليّة: دولتان (22,040 ناخباً).

– آسيا:41 دولة (12,669).

– أوقيانوسيا: 14 دولة ودول المحيط الهادئ (11,825).

– إفريقيا: 54 دولة (6,671).

– أميركا اللاتينية: 33 دولة ومنطقة البحر الكاريبي (5,250).

إنشاء دائرة غير المقيمين

الدائرة الـ16 (الدائرة الكبرى مؤلّفة من القارّات الستّ بالتساوي بين المسلمين والمسيحيّين) تضاف إلى الدوائر الـ 15 الكبرى، المنصوص عليها في القانون.

تحديد المقاعد السّتّة

بعد نقاش مستفيض بين أعضاء اللجنة، أوصت اللجنة اعتماد الخيار المتعلّق بتوزيع المذاهب حسب ترتيب النسبة المئويّة في كلّ قارّة من الأعلى إلى الأدنى، فتقوم في السنة التي تسبق موعد الانتخابات، وبعد انتهاء مهلة تسجيل غير المقيمين، المديريّة العامّة للأحوال الشخصيّة في مهلة لا تتجاوز 20 كانون الأوّل بترتيب المذاهب في قائمة واحدة، بحسب النسبة المئويّة التي نالها كلّ مذهب في كلّ قارّة، بعد أن يصار إلى قسمة أعداد الناخبين من كلّ مذهب في كلّ قارة على مجموع عدد الناخبين المسجّلين في القارّة ذاتها.

يجري توزيع المذاهب على القارّات بدءاً من رأس القائمة،  فيُمنح المذهب الأوّل للقارّة التي حصلت على أعلى نسبة مئوية من المسجّلين، ويُمنح المذهب الثاني للقارّة صاحبة المرتبة الثانية في القائمة. ويُراعى في توزيع المذاهب أن تكون شاغرةً القارّةُ التي ستُخصّص بمذهب.

وفق التوزيع الطائفيّ للقارّات الستّ الذي أرسله آنذاك المدير العامّ للأحوال الشخصيّة الياس خوري إلى وزارتَي الداخليّة والخارجيّة، بغية اعتماده في أيّ انتخابات عامّة، توزّعت المذاهب وفق الآتي، بناء على 223,449 لبنانيّاً مسجّلاً في الخارج، إضافة إلى عدد من الأقليّات، فوصل العدد آنذاك إلى 225 ألف مسجّل:

– إفريقيا (شيعيّ)، 66% من مجموع المسجّلين في القارّة.

– أستراليا (مارونيّ)، 61% من مجموع المسجّلين.

– آسيا (سنّيّ)، 36% من مجموع المسجّلين.

– أميركا الشماليّة (أرثوذكسيّ)، 18% من مجموع المسجّلين.

– أميركا الجنوبيّة (درزيّ)، 10% من مجموع المسجّلين.

– أوروبا (كاثوليكيّ)، 8% من مجموع المسجّلين.

هنا قالت اللجنة إنّ هذا الخيار في حال عدم تعديل نصّ المادّة 112 لجهة شطب عبارة “وبالتساوي بين القارّات الستّ”، يُعدّ الأنسب لجهة عدم تخصيص مذهب لقارّة معيّنة، بشكل ثابت ودائم، والاعتماد على توزيع المسجّلين الراغبين بالاقتراع معياراً لتوزيع المقاعد. فأعداد المغتربين، لجهة توزيعهم الطائفيّ، قد تفرض، موضوعيّاً ومنطقيّاً، “منح” مذهب معيّن قارّتين لا قارّة واحدة. وهذه المعادلة قد تتغيّر بحسب أرقام المسجّلين على مرّ السنوات.

من يجوز له أن يكون مرشّحاً

أخذت اللجنة رأي هيئة التشريع والاستشارات التي اعتبرت أنّه “يحقذ للّبناني المقيم على الأراضي اللبنانية التي تتوافر فيه شروط الترشيح أن يُرشّح نفسه عن المقاعد الستّة”.

هيئة الإشراف والإنفاق الانتخابيّ

تضمّن تقرير اللجنة تأليف هيئة الإشراف على الانتخابات، ومراقبة هيئة الإشراف على الانتخابات للمرشّحين عن القارّات الستّ، والتمويل وتحديد سقف الإنفاق الانتخابيّ، وفتح الحسابات في المصارف وشروطه، بشكل مفصّل ووفق مقاربة منطقيّة وموضوعيّة، إضافة إلى اعتماد النظام الانتخابيّ والصوت التفضيليّ، حيث يقترع جميع الناخبين المُسجّلين في دائرة “غير المقيمين” على اختلاف طوائفهم للمرشّحين عن تلك الدائرة. ويقترع كلّ ناخب للائحة واحدة، مع صوت تفضيليّ واحد لمرشّح من القارّات الستّ. وأوصت اللجنة فرز أصوات المقترعين اللبنانيّين غير المقيمين على الأراضي اللبنانية.

تسوية اللّحظة الأخيرة: المغتربون يصوّتون في لبنان! .