أخبار الشرق نيوز هو موقع إخباري يهدف إلى تقديم أحدث الأخبار والمعلومات في مختلف المجالات مثل السياسة، الاقتصاد، الرياضة، والترفيه، مع التركيز على المواضيع التي تهم المواطن العربي. نحن نسعى لتقديم محتوى محدث ودقيق في الوقت الحقيقي."
في خطوة قد تمثل منعطفاً هاماً في مسار العدالة الانتقالية ومحاسبة رموز النظام الأمني السابق في سوريا، أعلنت وزارة الداخلية في الحكومة السورية الجديدة عن إلقاء القبض على العميد سالم داغستاني، الرئيس السابق لفرع التحقيق في إدارة المخابرات الجوية، أحد أكثر الأجهزة الأمنية رعباً وقسوةً في عهد بشار الأسد. هذا الاعتقال لا يمثل مجرد سقوط مسؤول أمني رفيع، بل يفتح الباب على مصراعيه للتحقيق في حقبة مظلمة من الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان، ويضع تحت المجهر دور داغستاني المفترض في آلة القمع التي أدارها فرع التحقيق لسنوات طويلة. ولا يقتصر دوره على هذا الفرع، بل كان رئيس قسم التحقيق في سجن صيدنايا، ورئيس اللجنة الأمنية في منطقة الغوطة الشرقية، حيث لعب دوراً محورياً في تنفيذ ما يُعرف بملف المصالحات. من هو سالم داغستاني؟ الظل القوي في مملكة الرعب الجوي
تحيط السرية عادةً بالشخصيات التي تتبوأ مناصب حساسة في الأجهزة الأمنية السورية، وسالم داغستاني ليس استثناءً. المعلومات العامة حول خلفيته الشخصية وتاريخه المهني المبكر شحيحة، وهذا جزء من الطبيعة الغامضة التي تحكم عمل هذه المؤسسات. لكن ما هو مؤكد هو وصوله إلى منصب رئيس فرع التحقيق (المعروف أيضاً بالفرع 248 أو فرع تحقيق دمشق) في إدارة المخابرات الجوية، وهو منصب يمنح صاحبه سلطة هائلة ونفوذاً يتجاوز مجرد الإشراف الإداري. يُعتقد أنه يحمل رتبة عميد، وهو مسؤول عن إدارة عمليات الاعتقال والتحقيق مع آلاف المعتقلين الذين مروا عبر أقبية هذا الفرع سيئ السمعة. المخابرات الجوية، التي تأسست في ستينيات القرن الماضي، اكتسبت تدريجياً سمعة بأنها الذراع الأكثر وحشية وقوة ضمن شبكة الأجهزة الأمنية المتعددة في سوريا، وكانت تحت القيادة المباشرة والموالية لعائلة الأسد. ترأسها لسنوات طويلة اللواء جميل حسن (المدرج على قوائم العقوبات الدولية بتهم ارتكاب جرائم حرب)، وتحولت في عهده إلى أداة رئيسية لقمع أي معارضة أو نشاط يُعتبر مهدداً للنظام. ضمن هذا الهيكل المرعب، كان فرع التحقيق هو المحرك العملياتي للاعتقالات والتحقيقات الأولية. كان هذا الفرع بمثابة «البوابة» التي يُزجّ بها المعتقلون السياسيون، النشطاء، المتظاهرون، وحتى المواطنون العاديون الذين يُشتبه بمعارضتهم للنظام أو حتى بمجرد انتقاده. لم يكن دوره يقتصر على جمع المعلومات، بل كان، وفقاً لشهادات لا حصر لها، مركزاً رئيسياً لممارسة أبشع أشكال التعذيب الجسدي والنفسي لانتزاع الاعترافات، كسر إرادة المعتقلين، وبث الرعب في المجتمع. رئاسة داغستاني
إن رئاسة داغستاني لهذا الفرع تعني، بموجب مبدأ مسؤولية القيادة، أنه كان على علم، أو كان يجب أن يكون على علم، بالانتهاكات المنهجية والواسعة النطاق التي ارتكبها مرؤوسوه داخل مقرات الفرع وفي مراكز الاعتقال التابعة له. وتشير التقارير الحقوقية إلى أن فرع التحقيق بالمخابرات الجوية كان يشرف على، أو يتعامل مع، عدد من أسوأ مراكز الاعتقال سمعةً في سوريا، بما في ذلك سجن مطار المزة العسكري الشهير، وسجن صيدنايا، الذي وُصف بأنه «مسلخ بشري» في تقارير دولية. سجن صيدنايا
عهد الإرهاب: فرع التحقيق تحت المجهر الحقوقي
لا يمكن الحديث عن سالم داغستاني بمعزل عن السجل الأسود لفرع التحقيق الذي قاده. منذ اندلاع
الثورة السورية في عام 2011، تصاعدت وتيرة القمع بشكل غير مسبوق، ولعبت المخابرات الجوية، وفرع تحقيقها تحديداً، دوراً محورياً في هذه الحملة الوحشية. توثق منظمات حقوق الإنسان الدولية والسورية (مثل هيومن رايتس ووتش، منظمة العفو الدولية، الشبكة السورية لحقوق الإنسان، مركز توثيق الانتهاكات في سوريا، وغيرها) آلاف الحالات التي تشير إلى نمط ثابت وممنهج من الانتهاكات الجسيمة داخل أروقة هذا الفرع ومراكز الاعتقال المرتبطة به. تشمل هذه الانتهاكات: التعذيب المنهجي والوحشي: تعتبر شهادات الناجين من معتقلات المخابرات الجوية، وخاصة فرع التحقيق، من بين الأكثر ترويعاً. تصف هذه الشهادات استخدام مجموعة واسعة من أساليب التعذيب التي ترقى إلى مستوى الجرائم ضد الإنسانية، منها:
الضرب المبرح: باستخدام الكابلات، العصي، الأنابيب المعدنية، والأخامص (أعقاب البنادق) على كافة أنحاء الجسد.
الوضعيات المجهدة (الشبح): تعليق المعتقلين من معاصمهم أو أرجلهم لساعات طويلة، مما يسبب آلاماً مبرحة وتلفاً في الأعصاب والمفاصل.
الصعق بالكهرباء: تطبيق الصدمات الكهربائية على مناطق حساسة من الجسم.
التعذيب المائي: الإغراق الوهمي أو الغمر في مياه باردة أو قذرة.
الحرمان من النوم والطعام والماء: كوسيلة للضغط والإضعاف.
الاعتداءات الجنسية: الاغتصاب والتهديد بالاغتصاب والتحرش الجنسي ضد الرجال والنساء على حد سواء.
التعذيب النفسي: الإهانات المستمرة، التهديد بإيذاء أفراد العائلة، الإجبار على مشاهدة تعذيب الآخرين أو سماع صراخهم.
الإخفاء القسري: كان فرع التحقيق بوابة للعديد من حالات الإخفاء القسري. يُعتقل الأشخاص من منازلهم أو من الشارع دون مذكرة توقيف، ويُنقلون إلى مقرات الفرع حيث يُحتجزون بمعزل عن العالم الخارجي لأشهر أو حتى سنوات، دون السماح لهم بالتواصل مع محامين أو أفراد عائلاتهم، الذين يبقون في حالة من القلق والجهل التام بمصير ذويهم.
ظروف الاعتقال اللاإنسانية: تصف التقارير الظروف داخل مراكز الاعتقال التابعة للفرع بأنها مروعة. زنازين مكتظة بشكل خانق، انعدام النظافة، انتشار الأمراض الجلدية والمعدية، نقص الرعاية الطبية المتعمد مما يؤدي إلى تفاقم الإصابات والأمراض ووفاة العديد من المعتقلين بسبب الإهمال.
القتل خارج نطاق القضاء: وثقت العديد من المنظمات حالات وفاة لمعتقلين تحت التعذيب أو نتيجة الظروف المزرية في مقرات فرع التحقيق. صور “قيصر” الشهيرة، التي سربها مصور عسكري منشق، كشفت عن آلاف الجثث الهزيلة لمعتقلين قضوا في معتقلات النظام، ويُعتقد أن نسبة كبيرة منهم مرت عبر أجهزة مثل المخابرات الجوية وفرع تحقيقها