من قلب الانهيار: كيف أعادت العلامات اللبنانية رسم ملامح الاقتصاد المحلي؟
من قلب الانهيار: كيف أعادت العلامات اللبنانية رسم ملامح الاقتصاد المحلي؟
في ظلّ الحرب الإسرائيلية على لبنان عام 2024، وتفاقم الأزمات الاقتصادية منذ عام 2019، غادرت العديد من العلامات التجارية العالمية السوق اللبنانية. لكن هذا الفراغ فتح المجال أمام علامات محلية اقتحمت السوق بقوة، لا سيّما في مجالات الصناعات الغذائية، والأزياء، والتجميل، حيث شهدت هذه القطاعات ازدهاراً غير مسبوق، مدفوعة بوعي المستهلك اللبناني وسعيه لدعم الإنتاج المحلي.
1200 علامة تجارية نشطة رغم كل شيء
بحسب يحيى القصعة، رئيس جمعية تراخيص الامتياز في لبنان، فإن السوق المحلية باتت تضم حوالي 1200 علامة تجارية تعمل بنظام “الفرانشايز”، موزّعة بالتساوي بين علامات محلية ومستوردة. ومنذ بدء الأزمة في 2020، لجأ مانحو الامتياز إلى التصنيع المحلي بدلًا من الاستيراد، في ظل غياب التمويل وارتفاع الكلفة. وعلى الرغم من تقلّبات السوق، عادت بعض الشركات للاستيراد، فيما استمرت أخرى في تطوير علامات لبنانية قوية.
الفرص تنمو من قلب التحدي
يُسهم قطاع الفرانشايز بنحو 4% من الناتج المحلي، وتشير التقديرات إلى تراجع حجمه من ملياري دولار إلى حوالي 500 – 600 مليون دولار. رغم ذلك، استطاعت ثلاث علامات محلية جذب استثمارات خليجية بأكثر من 110 ملايين دولار لكل منها، ما يعكس الثقة المتزايدة في هذا القطاع.
نجاح 1 من كل 4 علامات فقط
يؤكد القصعة أن نسبة النجاح لا تتجاوز 25%، إلا أن بيروت شهدت في الفترة الأخيرة ولادة نحو 34 علامة تجارية جديدة، بفضل الاستثمارات الخليجية وتزايد الوعي بأهمية الإنتاج المحلي. وقد شكّلت المطاعم 49% من قطاع الفرانشايز، تليها الأزياء والمجوهرات.
من الاستهلاك إلى الإنتاج المحلي
بحسب الخبير الاقتصادي شادي نشّابة، أدت أزمة الثقة بالمصارف وتدهور العملة الوطنية إلى تحوّل كبير في سلوك اللبنانيين، حيث باتوا يفضلون استثمار مدخراتهم في مشاريع إنتاجية بدلاً من إيداعها في المصارف. وقد ساعد هذا التوجه في رفع حصة الصناعة المحلية إلى 12% من الناتج المحلي، وهو إنجاز بارز مقارنة بالماضي.
رغم الإقفال… علامات لبنانية تُوسّع حضورها
بالرغم من إقفال أكثر من 10 آلاف مؤسسة صغيرة و1200 مقهى، و30% من المنشآت التجارية، ظهرت علامات تجارية جديدة شكّلت 35% من السوق الحالي. وقد ساهمت الدولة اللبنانية من خلال الاتفاقيات والتسهيلات الإدارية، في دعم هذا النمو، إضافة إلى دورها في حماية الملكية الفكرية وتسهيل إنشاء الشركات والمصانع.
لقد أثبت اللبنانيون، رغم الأزمات، قدرتهم على التحوّل من الاستهلاك إلى الإنتاج، وعلى إطلاق مشاريع منافسة محليًا وعالميًا. اليوم، تشكّل العلامات التجارية المحلية فرصة لإرساء اقتصاد إنتاجي مستقل يُعيد للبنان قدرته على النهوض رغم كل التحديات.